أحكام التشهير

إن مما يكثر فيه الخلط بين طلاب العلم حكم التشهير، وهل هو حرام بإطلاق أم أن الأمر فيه تفصيل، ولذلك أحببت بيان هذه القضية بإيجاز، فأقول:

التشهير: هو إذاعة السوء عن شخص أو جهة كمجلة أو مدرسة أو دائرة أو مكتبة أو غير ذلك.

 

أحـكـامـــــه:

يختلف حكم التشهير باختلاف من شُهر به، وإليك بيان ذلك على وجه التفصيل:

1- الأصل أن تشهير الناس بعضهم ببعض بذكر العيوب والتنقص من الأشخاص حرام.

أ – لأنه غيبة، والله يقول: (ولا يغتب بعضكم بعضْا) الحجرات، آية (12).
ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يبين معنى الغيبة بقوله: “ ذكرك أخاك بما يكره.. “أخرجه أبو داوود والترمذي، وقال: هذا حديث صحيح.
ب – ولأنه أذية، وقد قال الله – عز وجل -: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناْ وإثمْا مبيناْ) الأحزاب، آية (58). قال ابن كثير: »أي ينسبون إليهم ما هم بُرآء منه، لم يعملوه، ولم يفعلوه، يحكون عن المؤمنين والمؤمنات ذلك على سبيل العيب والتنقص منهم، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: » أربى الربى عند الله استحلال عرض امرئ مسلم، ثم قرأ (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات…الآية) «. رواه أحمد وأبو داوود.
وقد قيل في معنى قوله – صلى الله عليه وسلم – » من سمّع سمّع الله به «: » أي من سمّع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه «.
ج- ولأنه إشاعة للفاحشة، وقد قال الله تقدس اسمه: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون). النور، آية (19).
وقد شنع الله – تعالى -على الذين رموا عائشة بالإفك كذباً وزوراً وتوعدهم بالعذاب الأليم.
وسواء أكان التشهير بحديث المجالس أو نظم هجاء من الشعر قال ابن قدامة: » ما كان من الشعر يتضمن هجو المسلمين والقدح في أعراضهم فهو محرم على قائله «.

2- إن كان المشهّرُ به بريئاً مما يشاع عنه، فهذا هو الإفك والزور والبهتان والإثم المبين، وأدلة تحريمه قد سبق بعضها.

3 – إذا كان المُشهّرُ به يتصف بما قيل فيه، لكنه لا يجاهر به ولا يقع به ضرر على غيره، فالتشهير به محرم؛ لأنه غيبة وأذى وإشاعة للفاحشة، ومن المقرر شرعاً: أن السّتر على المسلم واجب لمن ليس معروفاً بالفساد، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: » أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود «. رواه أحمد.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: » من ستر مسلماً ستره الله – عز وجل – يوم القيامة «. رواه مسلم.
قال النووي في شرحه: » وهذا الستر في غير المشتهرين «، والواجب في مثل هذا نصحه لا فضحه.

4- يحرم تشهير الإنسان بنفسه، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: » كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الإجهاز أن يعمل العبد عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره الله – عز وجل -، ويصبح يكشف ستر الله – عز وجل – عنه «. رواه البخاري ومسلم.
ومن أصاب فاحشة فليستر على نفسه، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: » من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله «. رواه مالك والبيهقي والحاكم وصححه.

5- من جاهر بالمعصية جاز التشهير بفسقه، لأنه لا يستنكف أن يذكر بمعصيته، قال أحمد: » إذا كان الرجل معلناً بفسقه فليست له غيبة «.

6 –إذا كان التشهير على سبيل نصيحة المسلمين وتحذيرهم: كجرح الرواة والشهود، والتشهير بمن لا يحسنون الفتيا، أو يكتبون فيما لا يعلمون أو المبتدعة، أو ممن يتظاهرون بالعلم وهم فسقة أصحاب سوء وفتنة فهو واجب.
قال القرافي في الفروق (4/206) : » أرباب البدع والتصانيف المضلة ينبغي أن يشهر في الناس فسادهم وعيبهم، وأنهم على غير الصواب ليحذرها الناس الضعفاء فلا يقعوا فيها… بشرط أن لا يتعدى فيها الصدق، ولا يفترى على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه، بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة، فلا يقال في المبتدع: إنه يشرب الخمر ولا أنه يزني ولا غير ذلك مما ليس فيه، ويجوز وضع الكتب في جرح المجروحين من الرواة..
بشرط أن تكون النية خالصة لله – تعالى -في نصيحة المسلمين في ضبط الشريعة، أما إذا كان لأجل عداوة أو تفكه بالأعراض وجرياً مع الهوى فذلك حرام، وإن حصلت به المصلحة عند الرواة «.
وفي مغني المحتاج (4/211) : » ينكر على من تصدى للتدريس والفتوى والوعظ وليس هو من أهله ويشهر أمره لئلا يغتر به «.

7 –يجب على الحاكم إشهار إقامة الحدود، قال – تعالى -: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين). النور، آية (2).
قال الكاساني في بدائع الصنائع (7/60) : » والنص وإن ورد في حد الزنى لكن النص الوارد فيه يكون وارداً في سائر الحدود دلالة؛ لأن المقصود من الحدود كلها واحد، وهو زجر العامة، وذلك لا يحصل إلا وأن تكون الإقامة على رأس العامة؛ لأن الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة، والغائبون ينزجرون بإخبار الحضور، فيحصل الزجر للكل «.

أضف تعليقًا