منهج القران في استدلاله على إمكان البعث

نهج القران الكريم في استدلاله على إمكان البعث وتحقق وقوعه منهجا قويما يجمع بين ما فطرت عليه النفوس من الإيمان بما تشاهد وتحس ويقع منه تحت تأثير السمع والبصر وبين ما تقرره العقول السليمة ولا يتنافى مع الفطر المستقيمة، وتلك الطريقة تميز بها القرآن الكريم مما لا تجده في كتب الحكمة النظرية.وكان منهج القرآن ن في استدلاله على البعث كما يلي:

أولا: الاستدلال على البعث بمن أماتهم الله ثم أحياهم، كما اخبر الله – تعالى – عن ذلك ومنهم:

1- قوم موسى قال – تعالى -: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصعقة وانتم تنظرون ثم بعثنا كم من بعد موتكم لعلكم تشكرون).

2- المضروب بعضو من أعضاء البقرة كما قال – تعالى -: (وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون (72) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون). قيل إن المقتول ضرب بعضو من أعضاء تلك البقرة التي أمرهم الله إن يذبحوها كما قال موسى لهم (إن الله يأمركم إن تذبحوا بقرة) فلما ضرب به حيي واخبر بقاتله ثم عاد ميتا كما كان.

3- الذين اخبر الله عنهم بقوله – تعالى -: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال الله لهم موتوا ثم أحياهم).
وهؤلاء قوم من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء ففروا هاربين، قال ابن عباس: ” كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا نأتي أرضا ليس بها موت فأماتهم الله – تعالى – فمر بهم نبي فدعا الله فأحياهم ”

4- (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال آني يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعله آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم إن الله على كل شيء قدير).

5- سؤال إبراهيم – عليه السلام – عن كيفية أحياء الموتى، قال – تعالى -: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم إن الله عزيز حكيم).
وقد ذكر المفسرون لسؤال إبراهيم – عليه السلام – هذا أسبابا منها: أنه لما قال لنمرود (ربي الذي يحي ويميت) أ حب أن يترقى من علم اليقين بذلك إلى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة.
أما قوله – تعالى -: (فصرهن إليك) فقد روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: أوثقهن فلما أوثقهن ذبحهن، ثم جعل على كل جبل منهن جزءا فذكروا أنه عمد إلى أربع من الطير فذبحهن ثم قطعهن ونتف ريشهن ومزقهن وخلط بعضهن ببعض ثم جزأهن أجزاء، وجعل على كل جبل منهن جزءا، قيل أربعة وقيل سبعة، قال ابن عباس: أخذ رؤوسهن بيده ثم أمره الله – عز وجل – أن يدعوهن فدعاهن كما أمره الله – عز وجل -. فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته وأتينه يمشين سعيا ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم – عليه السلام – فإذا قدم له غير رأسه يأباه فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جسده بحول الله وقوته “.

6- ما أخبر الله به عن عيسى – عليه السلام – من أنه كان يحيي الموتى بإذن الله كما قال – تعالى -: (ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ ألاكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله).

7- ما أخبر الله من قصة أصحاب الكهف.

وهذه الأدلة المتقدمة أدلة مادية حسية، وقعت كلها لتدل على أحياء الموتى بعد مماتهم وهذا برهان قطعي على القدرة الإلهية وقد أخبر الله ورسله عن وقوع البعث والحشر فوجب القطع بذلك لأنه أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته.

 

ثانيا الاستدلال على البعث بالنشأة الأولى:

ومن الآيات الدالة على ذلك ما يلي:

1– قال – تعالى -: (يا أيها الناس كنتم في ريب من البعث فِانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقه ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شئ قدير (6) وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور).
في هذه الآيات دليلان على إمكان البعث، أحدهما دليل في الأنفس والآخر دليل في الآفاق، فأما الدليل الذي في الأنفس فهو ما اشتمل عليه صدر الآية وهو متعلق بالنشأة الأولى، وأما الدليل الآفاقي فهو قوله – تعالى -: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج).
وهو الاستدلال بخلق النبات على إمكان البعث كما سيأتي.

2- قوله – تعالى -: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهى رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم).
قال مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدي وقتادة جاء أبي بن خلف لعنه الله إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفي يده عظم رميم وهو يفته ويذروه في الهواء وهو يقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” نعم يميتك الله – تعالى – ثم يبعثك ثم يحشرك إلى النار ” ونزلة هذه الآيات من آخر يس،.
وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: إن العاص بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففتته بيده ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” نعم يميتك الله ثم يدخلك جهنم ” قال: ونزلت من آخر يس.
وسواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أبي بن خلف أو العاص أو فيهما فهي عامة في كل من أنكر البعث، ذكره ابن كثير.

3- قوله – تعالى -: (وقالوا أئذا كنا عظما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جد يدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا).
إن شبهات المنكرين للبعث تكاد تكون متجانسة لأنها تدور حول استبعاد جمع الأجزاء بعد تفرقها وإعادة الحياة إليها بعد فنائها وهذه الشبه لا تكون إلا بالقدح في كمال علم الله المحيط بكل شيء وكمال قدرته على كل شيء، وقد قام البرهان على كمال العلم والقدرة لله – تعالى -، فلا وجه للاستبعاد والاستغراب بعد ذلك، وفي قوله – تعالى -: (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم). يعنى به أنكم مهما تفرقتم وعلى أية حال كنتم فالله قادر على إعادة الحياة إليكم مرة أخرى، مع أن المنافاة بين الحجرية والحديدية وبين قبول الحياة أشد من المنافاة بين العظمة وبين قبول الحياة وذلك أن العظم قد كان جزءا من بدن الحي، أما الحجارة والحديد فما كانا البتة موصوفين بالحياة.
وفي قوله – تعالى -: (فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة). استدلال بالنشأة الأولى على الثانية وهذا هو الشاهد من الآية، أما قولهم (متى هو؟ ) فهو سؤال فاسد كما ذكره الرازي، لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي حكيناها، ثم إن الله – تعالى – بين بالبرهان الباهر كونه ممكنا في نفسه فقولهم متى هو؟ كلام لا تعلق له بالبحث الأول فانه متى ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بإمكانه، فأما أنه متى يوجد فذاك لا يمكن إثباته من طريق العقل بل إنما يمكن إثباته بالدلائل السمعية فان أخبر الله – تعالى – عن ذلك الوقت المعين عرف و إلا فلا سبيل إلى معرفته.

4- قوله – تعالى -: (وهو الذي يبدؤوا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) في هذه الآية استدلال على البعث بالقياس الأولوي، وفي قوله – تعالى -: (وهو أهون عليه) ضرب مثل لأنه لا يوجد بالنسبة لله – تعالى – شيء هو أسهل وشيء هو أصعب وإنما المقدورات عندنا نحن متفاوتة في العسر واليسر باختلاف القدرة التي تزيد وتنقص في حقنا، ولما كان إيجاد شيء لا من شيء مستحيلا منا، وإيجاد شيء من شيء ممكنا استعار كلمة أفعل، وضرب ذلك مثلا، ولما استحال في حقه العجز والضعف عن إيجاد شيء لا من شيء قال: (وله المثل الأعلى) وذلك مطرد في سائر صفاته – سبحانه – من العلم والقدرة والحياة والرحمة والرضى والغضب، وكل صفة وصف بها الإنسان من ذلك فان لله – تعالى – من ذلك ما يليق بجلاله وعظمته وللمخلوق ما يليق بعجزه وضعفه.

5- قوله – تعالى -: (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف ابعث حيا (66) أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يكن شيئا).

بهذا المنطق الصحيح والبرهان القاطع يرد القرآن الكريم على ذلك المنكر ويجادله في أسلوب هادئ محكم فيلزمه الحجة الواضحة في أقل من نصف سطر، وفي الآية كما ترى استدلال على المعاد بالنشأة الأولى.

 

ثالثا: الاستدلال على إمكان البعث بخلق الأكوان، مثل السماوات والأرض، فان خلقها أعظم من خلق الإنسان، ومن الآيات الدالة عليه ما يلي:

1- قوله – تعالى -: (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا (98) أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه).
2- قوله – تعالى -: (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم).
3- وقال – تعالى -: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعيا بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى انه على كل شيء قدير).
وجميع الآيات السابقة وما في معناها من الآيات أكبر برهان على قدرة الله المطلقة التي لا تقيد بقيود ولتنتهي عند حدود، فان تلك الآيات الكونية مما هو معروف ببداهة العقول أن خلقها أعظم من إعادة خلق الإنسان.

 

رابعا: الاستدلال على إمكان البعث بخلق النباتات المختلفة: ومن الآيات ما يلي:

1- قوله – تعالى -: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون).
2- قوله – تعالى -: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور).
3- قوله – تعالى -: (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى انه على كل شيء قدير).
4- قوله – تعالى -: (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزروع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك للآيات لقوم يعقلون)
وقوله: (وان تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أءنا لفي خلق جديد).
وفي هذه الآيات السابقة استدلال بتبدل أحوال النباتات من حياة إلى موت فحياة، وسلب خاصية النشوء والنماء في بعض النباتات فتهمد وتتفتت ثم تسقى بالماء فتعود إلى إليها تلك الخاصية، فلو كان مستحيلا إعادة الحياة إلى الإنسان مرة أخرى لما عادت الحياة إلى النباتات المختلفة بعد موتها لأن المشابهة واضحة في القدرة الإلهية في إعادة الحياتين سيرتهما الأولى ولهذا لفت القرآن الكريم أنظار المنكرين إلى التبصر في الموجودات الحسية واستنتاج العظات والعبر منها ليعود للنفس إيمانها فتسعد بالطمأنينة والاستقرار، وقد تقدمت المشابهة بين إعادة الحياة إلى النبات بالمطر وإعادة بناء الأجساد وإنباتها بالمطر الذي يجعله الله عند البعث وهو مطر كمني الرجال فتنبت منه الأجساد. وفي قوله – تعالى -: (وان تعجب فعجب قولهم).. الآية إشارة إلى إن العجب يكون من إنكارهم لا من البعث ومعناه: إن كان لك عجب من شيء فمن إنكارهم البعث، فاعجب لأن العجب ما ندر وجوده وخفي سببه، وليس البعث مما ندر، وهم يشاهدون أحياء الأرض بعد موتها، واكتساء الأشجار بعد عريها، وعود النهار بعد زواله، والليل بعد ذهابه، وإخراج الحي من الميت والميت من الحي، ولا مما خفي سببه فان الله – سبحانه – هو الفاعل لذلك والمخترع له والقادر عليه وحكمته إظهار ما استتر عن خلقه من تدبيره، وما النشأة الثانية بأعجب من الأولى.

 

خامسا: الاستدلال على إمكان البعث بحصول أحد المتضادين:

فان الأحياء بعد الموت لا يستنكر من حيث أنه يحصل الضد بعد حصول الضد، إلا أن ذلك غير مستنكر في قدرة الله – تعالى – لأنه لما جاز حصول الحياة مرة أخرى بعد الموت؟ فان حكم الضد ين واحد قال – تعالى – مقررا لهذا المعنى: (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين).

 

سادسا: الاستدلال على البعث والإعادة بإخراج النار من الشجر الأخضر:

1- قال – تعالى -: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون).
2- قال – تعالى -: (أفرءيتم النار التي تورون (71) ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون).
وفي الآيتين السابقتين استلال بتوليد النار مع حرها ويبسها من الشجر الأخضر مع برده ورطوبته
قال الفخر الرازي في قوله – تعالى -: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا). الآية ” ووجهه هو أن الإنسان مشتمل على جسم يحس به حياة سارية فيه وهي كحرارة جارية فيه، فان استبعدتم وجود حرارة وحياة فيه فلا تستبعدوه فان النار في الشجر الخضر الذي يقطر منه الماء أعجب وأغرب، وأنتم تحضرون حيث منه توقدون وان استبعدتم خلق جسمه فخلق السماوات والأرض أكبر من خلق أنفسكم فلا تستبعدوه فان الله خلق السماوات والأرض “، وفي هذا عبرة عظيمة فان الله – تعالى – جمع في الأخضر بين الماء والنار والخشب فلا الماء يطفئ النار ولا النار تحرق الخشب. وفي قوله – تعالى -: (أفر أيتم النار التي تورون) الآيات إما أن يراد من الشجرة النار الشجرة التي توري النار منها بالزند والزندة كالمرخ والعفار، أو يراد بها الشجرة التي تصلح لإيقاد النار كالحطب فإنها لو لم تكن لم يسهل إيقاد النار، ووجه دلالة النار على البعث أن النار تكمن في الشجر والحجر ثم تظهر بالقدح وتشب بالنفخ، فالحجر، والشجر كالقبر والقدح والنفخ كالنفخة في الصور.

 

سابعا: الاستدلال على البعث بأن حكمة الله وعدله يقتضيان البعث والجزاء:

فان الله – تعالى – لم يخلق الناس عبثا ولن يتركهم سدى قال – تعالى -: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى). وقال – تعالى -: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) ’ فعدل الله وحكمته وإحقاقه الحق وإبطاله الباطل وإعطاؤه كل ذي حق حقه وتميزه بين الخبيث والطيب والمحسن والمسيء كل ذلك يأبى إلا أن يكون هناك يوم آخر بعد نهاية الدنيا ينال فيه كل إنسان جزاؤه وما يستحقه من الثواب والعقاب على ما قدم من خير أو شر.

فإننا نرى أناسا يفارقون الدنيا وهم ظالمون لم يقتص منهم، ونرى أناسا آخرين يفارقون الدنيا مظلومين لم ترد إليهم مظالمهم، ونرى أشرارا في الدنيا منعمين ونرى أخيارا فيها معذبين فإذا ذهب كل إنسان بما فعل إن ظالما أو مظلما محظوظا أو مهضوما كان ذلك خدشا في عظمة الألوهية وعدلها وقضائها، فلابد إذن من يوم يحضر الجميع فيه بين يدي الله ليقتص من الظالم للمظلوم ولينال كل من المحسن والمسيء جزاءه كما قال – تعالى -: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
وقال – تعالى -: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محيا هم ومماتهم ساء ما يحكمون) ولهذا ه المعاني قال بعض الحكماء ” ثبت أن الله – عز وجل – حكيم والحكيم لا ينقض ما بنى إلا لحكمة أتم من حكمة النقض ولا يجوز أن تكون أنقص ولا مماثلة على مالا يخفى “.

 

ثامنا: الاستلال على البعث بحصول اليقظة بعد النوم، فان النوم أخو الموت واليقظة شبيهة بالحياة بعد الموت.

قال – تعالى -: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون). ثم ذكر عقبه أمر الموت والبعث فقال – تعالى -: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون (61) ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين)، قال – تعالى – في آية أخرى (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).

والمراد منه الاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحة البعث والحشر والنشر كما ذكره الرازي وغيره.

 

هذه لمحة موجزة عن إمكان البعث وتحقق حصوله في ضوء القرآن الكريم.

أضف تعليقًا