مَنْ صَاحِـبُـك ؟

صديقان تعرفت عليهما في معترك الحياة ، كان أحدهما متوسط الدخل والآخر ثرياً، كان لقائي بالثري أكثر بحكم قرب السكن ولتوقعي أن يسدّ حاجتي في وقت الشدّة، ولم أكن أشكّ في ذلك مما أراه من الحفاوة والاحترام .

ذات يوم احتجت مبلغ 30.000 ريال فما بدر لي إلا الصاحب الغني، وقلت سيكون فرحه عظيماً بعرضي حاجتي عليه.

اتصلت به وعرضت عليه الأمر وتفاجأت بأن الرجل يتلعثم في الردّ ويتلكأ في الجواب ويختم المكالمة بأنه بحاجة إلى وقت في التفكير، صُدمت من رده ولم أُبْدِ له شيئاً، لكني قررت أن لا أحرجه وأن لا آخذ منه شيئاً. أغلقت السماعة ثم اتصلت على صاحبي الأول الذي تعرفت عليه في رياض المساجد وحلق الذكر وساحات المراكز الصيفية فأجابني بالسؤال التالي: أين أنت الآن ؟ قلت: في بيتي . قال:” خيراً، سآتيك بعد قليل “. ظننته سيأتي ليتحدث معي في الموضوع بعد نصف ساعة ، إذ به يطرق الباب ويضع المبلغ نقداً بيدي، شكرته على سرعة استجابته وطلبت منه أن نوثق القرض طاعة لله، فأبى، وقال : إن جئت به فالحمد لله وإن لم تستطع فأنت في حلٍّ ولذا لا حاجة إلى الكتابة ” ، هكذا أقنعني….

أخذت المبلغ وقضيت حاجتي في نفس اليوم بل في نفس الساعة . من الغد اتصل بي صاحبي الثري وطلب مني أن أحضر لمنزله ، حضرت وأبدى موافقته على القرض ثم طلب مني بطاقتي الشخصية، فصَوَّرها ، ثم طلب مني أن أكتب إقراراً بالقرض وطريقة سداد المبلغ والمدة المتوقعة، كتبته، ثم وضع مدير مكتبه الأوراق في ملف خاص بالموضوع ثم كتب الشيك باسمي ، ولعلمكم أيها السادة لم يكن بي حاجة للمبلغ لأن صاحبي الذي هو صاحبي قد قضاها لكني أردت أعرف النهاية ولا أخزي الرجل، ثم شكرته وودعته. لقد قررت أن أصرف المبلغ من البنك ثم أسدده له في غضون عشرة أيام، وفعلت ذلك بحمد الله، وقد تعجب من سرعة سدادي للقرض ، فقلت له : لقد قضيت حاجتي وأريد براءة ذمتي. بقيت صحبتي واحترامي لصاحبي هذا لكن عرفت أن الأصحاب ليسوا صنفاً واحداً، فمنهم من يكون للمؤانسة والسراء، ومنهم من يكون للسراء والضراء، ومنهم من يكون عدة للدنيا والأخرى، وهذا خيرهم فإنك لا تندم على مصاحبته ولا على مجالسته، إن أصابتك مصيبة أعانك ، وإن حلت بك نعمة فرح لك كما يفرح لنفسه وهكذا كان صديقي الأول، وهذا ما تنتجه الصداقة إذا كانت لله.

أضف تعليقًا